الخميس، 15 ديسمبر 2011

أول من فكر بالرتب العسكرية تاريخياً ه

أول من فكر بالرتب العسكرية تاريخياً هم اليونانيون ، حيث أنه وفي 501 قبل الميلاد حيث تم تقسيم الجيش لكتائب ولكل كتيبة جنرال وهناك زعيم للحرب فوقهم جميعاً. أما في العصر الحديث فإن مهد التصنيف العسكري كان في بريطانيا ، ثم تم إدخال التطوير عليه من قبل الفرنسيين والبريطانيين والألمان وغيرهم من الأوروبيين....

واستخدام الوجه بدلا

كشفت شركة لينوفو النقاب عن جهاز الكمبيوتر المحمول الجديد "IdeaPad U110" الحائز على ثلاث جوائز في معرض الأجهزة الالكترونية الاستهلاكية 2008.ويتميز هذا الجهاز بشاشته التي ليس لها إطار ووزنه الذي لا يزيد على 5.2 رطل، علاوة على تقنية "VeriFace" التى تتيح للمستخدم الاستغناء عن كلمات المرور واستخدام الوجه بدلا منها، وهو ما يسهل على المستخدم الدخول إلى الجهاز بسرعة وسهولة، وتستطيع تلك التقنية أيضا تسجيل وجوه الأشخاص الذين يحاولون الدخول إلى النظام.ويتمتع بقرص صلب سعة 120 جيجابايت، وذاكرة 3 جيجابايت، وتكنولوجيا معالج إنتل سينترينو، وكاميرا مدمجة، واتصال عبر إيثرنت والبلوتوث ، وناسخة دي في دي خارجية، ونظام تشغيل ويندوز فيستا.كما زود الجهاز بتقنية...

عتقدون ان بكاء الرجل ضعف منه


كثيرون يعتقدون ان بكاء الرجل ضعف منه و لكني اراه وسيلة للراحة النفسية

البعض يقول ان الرجل لابد ان تكون كرامته قويه بحيث يتماسك ولا يبكي امام الاخرين .. ولا يضعف امام أي مشكلة تواجهه.. ولكنهم يتناسون انه في النهاية انسان أي انه كائن حي .. ويحتاج ان يعبر عن نفسه ومشاعره وينفس عن همومه... و هذا يرجع الى البيئة و طبيعه تفكيرنا في مجتمعاتنا التي تعتبر الرجل الذي يبكي كانه استسلم و تنازل عن مكانته وعرشه. بكاء الرجل ليس ضعفا بل على العكس كون كبرياء الرجل سمح له بالبكاء,, فهذا شيء جيد... فالانسان مالم يبك او يعبر عن حزنه فانه يكبت الكثير بداخله و البكاء وسيلة الى الراحة او الارتياح النفسي... قد تكون المرأة اكثر بكاء من الرجل.. لكن هناك مواقف لا تفرق بين المرأة والرجل مثل البكاء من خشية الله وفاة والدية ,، اقاربة ,,احد ابناءه,, احد اصدقائه ,, والبعد عن الاهل فتره طويلة . برأيكم هل هذه الامور لاتستحق دمعة الرجل..

ان ترك الاضاءة اثناء النوم

http://www.thaqafaonline.com/search/label/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%20%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9

حذر باحث أميركي من ان ترك الاضاءة اثناء النوم يلعب دورا في التحكم بمعدلات ضغط الدم ونسب الجلوكوز.
وأشار جوشوا جولي المعد الرئيسي للدراسة من مستشفى النساء وكلية الطب في جامعة هارفارد الى ان الاضاءة الليلية الداخلية قد تقضي على هرمون الميلاتونين الذي يفرزه الجسم ليلاً من الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ.
وأوضحت الدراسة التي نشرت في مجلة علم الهرمونات والأيض ان التعرض لضوء باهت أو ضوء غرف في الساعات التي تسبق موعد النوم يقصر عمر الميلاتونين بنحو 90 دقيقة.
كما أظهرت الدراسة ان الاضاءة خلال النوم تقصر عمر هذا الهرمون بنسبة 50 في المئة.
وأكد جولي يفضل ملايين الناس إبقاء النور مضاء قبل موعد النوم وخلاله يوميا.
وبعدما تم التوصل الى فرضية بأن الاضاءة التي تقضي على الميلاتونين تزيد خطر الاصابات ببعض أنواع السرطان وان هذا الهرمون مرتبط بنوعين من السكر فإن نتائجنا قد تكون مهمة وهي تعني بشكل رئيسي العمال الذين يتعرضون لضوء في الليل طوال سنوات عديدة

تبقي عينيك مفتوحتين أثناء السجود ...



الحكمه من إبقاء العين مفتوحة أثناء السجود ..

تعاني عضلات العين
من التصلب النسبي بمرور الأيام مما يؤدي إلى عدم
قدرتها على زيادة و إنقاص تحدب عدسة العين
بالشكل المطلوب لذا احرص على إتباع السنة في صلاتك بأن
تبقي عينيك مفتوحتين أثناء السجود ...

قف وأنت تنظر إلى موضع سجودك وأبق عينيك مركزة
على تلك المنطقة عند ركوعك ستقترب العين من موضع السجود
مما سيجبر عضلات
العين على الضغط على العدسة
لزيادة تحدبها وعند
رفعك سترتخي العضلات ويقل التحدب عند سجودك ستنقبض العدسات أكثر من
الركوع لان المسافة بين العين ونقطة السجود
قريبة جداً وعند الرفع سترتخي هذا التمرين ستنفذه
بشكل إجباري 17مرة في اليوم ويمكنك تكراره عدد
المرات التي تريد شوفو حكمة الله ...

الرسول صلِّ الله عليه وسلم دائماً كان
يدعو على ابقاء العينين مفتوحتين أثناء السجود ...

( وهاهو العلم الآن يثبت أن ذلك يعمل على عدم اضعاف النظر )

لا تخرج قبل أن تكتب سبحان الله

أضرار فرقعة الأصابع على الصحة



طقطقة الأصابع تسلية مضرّة ولكن كثيرون هم الأشخاص الذين يطقطقون أصابعهم ، يفعلون ذلك في حالات الغضب أو الانفعال ، أو لمجرد التسلية ، وقد تصبح هذه العادة جزءاً من سلوكياتهم التي يصعب تغييرها.

أكدّت دراسة قام بها فريق من أطباء الأشعة بمستشفى (بلفاست) أضرار فرقعة الأصابع على الصحة ، فقد أوضح الباحثون ان من اعتادوا على طقطقة أصابعهم يتعرضون لأضرار بالغة في أربطة ومفاصل الأصابع ، فهناك سائل كثيف بين المفاصل مهمته حماية هذه المفاصل من احتكاك بعضها ببعض ، فضلاً عن الدور الذي يؤديه في امتصاص الصدمات ، ومن ثم فعند طقطقة الأصابع تسحب أوتلوي المفاصل وتحركها خارج موضعها الطبيعي ، وعندها يتعرض هذا السائل للضغط والتمدد ، فينتج من ذلك تجويف أو فراغ في السائل ، فتتكون فقاعات غازية تكبر وتنفجر بسرعة .

ويحذر الأطباء من هذه العادة لما تسببه من أضرار صحية والتي قد تؤدي الى ارتجاف لليد أثناء حمل أي غرض نتيجة حدوث خلل مزمن في المفصل فتجعل الشخص غير قادرعلى تحريك يده بطريقة سليمة ، وفي حالة الاكثار من الفرقعه او كما تُسمى بادمان طقطقة الاصابع فانها تؤدي إلى شيخوخة مبكرة.

كما تزيد طقطقة الرقبة من خطر الجلطة الدماغية ، فإذا شعرت بألم في الرقبة فان عليك التفكير مرتين قبل أن تقوم بطقطقتها لان العلاج عن طريق حركة الحبل الشوكي كما يسميها أخصائيو العلاج الطبيعي تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية ويمكن أن يكون الخطر بشكل عام ضئيل جدا ولكن الصلة بين الجلطة الدماغية وطقطقة الرقبة أمر حقيقي وذلك حسبما يقول أخصائي الأعصاب ويد سميث – الذي يعمل مديرا لوحدة الأعصاب والأوعية الدموية في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو.

ا يحمر وجه امرأة عبر



من المعروف أنه عند ردود فعل معينة يظهر اللون الوردي على وجوهنا فمثلاً عند الشعور بالحرج أو الخزي أو الغضب أو الشعور بالغير مرغوب فيه أو بعدم الاهتمام، واحمرار الوجه يعني أنك في وضع غير مريح، وغالب الأفراد احمرت وجوههم عندما كانوا في صفوف رياض الأطفال بعد الانضمام لمجموعة من أطفال آخرين، ونادراً ما يحدث هذا الاحمرار في الوحدة.

لا شك أن منبع الاحمرار من الخجل هو إشارات من الدماغ وقد تكون مصدرها الأوعية الدموية في الوجه أو الوجنتين أو الرقبة أو الأذنين، ويعمل توسع الشعيرات الدموية في تلك المناطق على ظهور اللون الوردي في البشرة. إن الاحمرار لا يعني عادة التواضع أو ما شابه ذلك ولكن هناك آخرين لديهم احمرار نتيجة لوضع اجتماعي معين، وقد يكونون مصابين بالتوتر وتسارع ضربات القلب أيضاً.


وأحيانا ًيحدث الاحمرار عندما ينكشف شيء عنك لا تريد أن تخبر به أحد، وقد يكون هذا سبباً عندما يحمر وجه امرأة عبر لها رجل عن اعجابه بها وهكذا.

أي شخص مهما كان لون بشرته فإنه يصاب باحمرار البشرة، والنساء أكثر احمراراً من الرجال خاصة عند ممارسة العلاقة الزوجية في بداية الزواج، فتكون النساء أكثر خجلاً واحمراراً، ويبلغ هذا الأمر الذروة في فترة المراهقة حيث لا يشعر الشخص بالراحة في معظم الأوقات، ولكن هذا الأمر يقل مع التقدم السني وزيادة الخبرة الحياتية التي تعلمنا كيفية التعامل مع غيرنا.

إن الاحمرار أمر طبيعي ولكنه في بعض الأحيان دليل على اضطراب القلق الاجتماعي أو قلة الثقة بالنفس، وإن كنت تعاني من مشكلة احمرار الوجه، يمكنك التوجه للطبيب

ينام وضع يده تحت خده الأيمن


روى البرا ء بن عازب ( رضي الله عنه ...) قال: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا
...
...أراد أن ينام وضع يده تحت خده الأيمن و يقول : ( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ).

نعم لقد كانت من عادة نبينا العظيم وضع كفه الأيمن تحت خده الأيمن، هل تعلمون

لماذا ؟؟؟

لقد اثبت العلماء أن هناك نشاطاً يحدث بين الكف الأيمن و الجانب الأيمن من الدماغ

يحدث عندما يتم الالتقاء أي كما ورد عن نبينا العظيم صلى الله عليه و سلم يؤدي

إلى إحداث سلسلة من الذ بذ بات يتم من خلالها تفريغ الدماغ من الشحنات الزائدة

و الضارة مما يؤدي إلى الاسترخاء المناسب لنوم مثالي !!!

فمن يا ترى علم رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلم

قبل أكثر من ألف و أربعمائة عام قبل أن يكتشفها العلماء في

قرننا الحالي " و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى

اللهم صل وسلم على رسولنا الكريم

جرب او لا تجرب

ذا انتهى شحن موبايلك ولم تجد الشاحن أو مصدر للكهرباء لا تنزعج، فهناك حل آخر ستجده في أوراق الشجر.هذا ما توصل له العلماء حيث وجدوا في أوراق الشجر الخضراء، فكرة جيدة لشحن الموبايل في حالة فراغ البطارية، ولقد صرح علماء النبات بأن النبات به طاقة كهربائية يمكن تبادلها و تخزينها بالبطارية.ويذكر أن سكان ولاية chitrakoot الهندية لم يصدقوا الخبر إلى أن قاموا بتجربة ذلك بأنفسهم.أما خطوات شحن الموبايل بهذه الطريقة فهي:افتح غطاء الموبايلاخرج البطاريةاحضر أوراق شجر خضراءحُك كعب هذه الأوراق بأطراف البطارية النحاسية المربعة لمدة دقيقة.نظف البطارية بقطعة قماش ناعم الملمس.ضع البطارية مرة أخرى بالموبايل.قد يتطلب الأمر أن تقوم بتكرار هذه الطريقة عدة مرات...

م "تاج محل" هو ا


عندما ماتت زوجة إمبراطور المغول "شاه جاهان" التي كان يحبها كثيراً، بنى لها زوجها في عام 1631م قبراً ، سرعان ما أصبح من أعظم وأجمل مباني العالم
واعتبر من عجائب الدنيا.. وهو تاج محل.
- واسم "تاج محل" هو اختصار لاسم عائلة الزوجة "ممتاز محل" ومعناه تاج القصر


. وقد احتاج بناء تاج محل إلى تشغيل عشرين ألف عامل لمدة عشرين عاماً إلا أن مهندسه المعمارى غير معروف ولو نظرت إلى تاج محل من بعيد لظهر لك المبنى مثل مجوهرات لا نظير لها. وكان لابد من نقل الرخام الذي بنيت به هذه المقبرة لمسافة خمسمائة كيلومتر حتى مدينة "أجرا" وهي العاصمة المغولية للهند

لا تحاول أن تكتم العطسة








لا تحاول أن تكتم العطسة في داخلك لان ذلك قد يؤدي إلى تمزيق وعاء دموي في رأسك أو رقبتك، وهو الامر الذي قد يؤدي بدوره إلى الوفاة في بعض الأحيان

.تعلم من الرسول كيف تحب زوجتك؟


ايها الرجل .تعلم من الرسول كيف تحب زوجتك؟ اليك رسائل حب من بيت النبوة

كثير من الأزواج يحبون زوجاتهم .. ولكنهم لا يعرفون كيف يحبونهن

وكيف يوصلون إليهن هذا الحب، و لا كيف يشعروهن أنهم محبون

فتعال أيها الزوج تعلم من النبي – صلى الله عليه وسلم – كيف تحب …

من خلال الرسائل التي كان يرسلها لزوجاته…

رسائل حب ♥

وقبل أن نقول الرسائل

نقول أولا إن الحب يوسع المنزل الضيق

فهذه حجرة عائشة رضي الله عنها كانت 3*5 متر

ولكنه كان بيتا فسيحا بالحب

ونقول أيضا إن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم تمنعه كثرة مشاغله

بالدعوة وحكم الدولة أن يرسل لزوجاته رسائل حب، وليس مجرد حب بل فنّا في الحب

|♥| الرساله الأولى |♥|

تقول عائشة رضي الله عنها: كنت أشرب من القدح وأنا

حائض وإذا بالنبي صلي الله عليه وسلم يأخذ القدح

ويشرب منه يضع فمه مكان فمي يشرب

أليست هذه رسالة حب يوصلها إلى زوجته

|♥| رسالة أخرى |♥|

قالت رضي الله عنها إنّها كانت تأكل في عظمة؛
فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم

من يدها يضع فمه مكان فمها

أليست هذه رسالة حب

إنه فن الحب

كان بيته – صلى الله عليه وسلم – يضج بالحب والمودة والرحمة بأجمل صورها

قد يفعل هذا الخطيب أثناء الخطبة أو في أول الزواج

وبعد ذلك ينسى أو يتناسى ويظن أن هذا لم يعد له أهمية

|♥| رسالة أخرى |♥|

لزوجته صفية

كان صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق من خيبر الى مكة

عندما جاءت زوجته صفية تصعد إلى الهودج احتاجت شيئا تصعد عليه إلى الهودج

لم يقل للصحابه هاتوا شيئا؛ ولكنه جثى على ركبتيه

بجانب الجمل ،وجعل ركبتيه كالدرج لتضع صفية قدمها عليها

وتصعد إلى هودجها ،هذا التصرف كان في بداية زواجها منه

وهذا التصرف يفتح قلبها لتحبه

وأيضا في ختام حياته عليه السلام في حجة الوداع

كانت صفية تركب على جمل ضعيف فتخلفت وتأخرت عن الركب

وكان مائة ألف …كان من الممكن أن يرسل لها أحدا

يتفقدها ولكنه ذهب بنفسه ولما رأته مقبلا عليها أجهشت تبكي

فإذا صلى الله عليه وسلم يلتقط دمعها بيديه

فعل ذلك وهو في الستين من عمره ومع ذلك

في قلبه جمال عاطفي يمارسه مع زوجته صفية

آاتعلم أيها الزوج القاسي الذي تترك زوجتك تبكي

فلا تواسيها وربما لا تسألها ما بها وتتركها وتهرب من النكد

تعلم أيها الزوج أن تنظر إلى زوجتك نظرة حانيه بين الفينة والأخرى

وأن تلمسها لمسة حانية

تعلم أن تحيي الحب في قلب زوجتك بدل أن تقتله بتهميشك لها

|♥| رسالة أخرى |♥|

أشعرها أنك مهتم بها

حبيبي يا رسول الله ما أعظمك وما أجملك

من زوج تحيط زوجاتك باهتمامك

لما تزوجت عائشة وهي صغيرة انتقلت من بيت أبيها

إلى بيت زوجهاو أخذت معها لعبها ووضعتها على رف في حجرتها

ووضعت عليه ستارة كأنه بيت الألعاب

فكان صلى الله عله وسلم يكشف الستر ويقول لها

(يدلعها) يا عائش ما هذا وهو يعلم ولكنه سؤال ليشعرها أنه مهتم بها وبألعابها

فقالت هذه بناتي يعني عروستي فقال

وما هذا الذي بينهن قالت فرس له أجنحة

فقال لها والفرس له أجنحة ؟

فقالت أما علمت ان نبي الله سليمان كان له فرس بأجنحة

اندمجت تشرح له .. هذه براعة النبي ؛مهتم بلعب زوجته

ويحاورها ويفتح معها مجالا للحوار

فاهتم بزوجتك أيها الزوج واسألها وحاورها

واحترم عقلها وأشعرها بذلك فهذه رسالة حب منك لها

كان ء صلى الله عليه وسلم ء يعلم أنها تحب اللعب مع صويحباتها

فعندما يراهن يرسلهن إليها يلعبن معها ليدخل السرور على قلبها ويبعد عنها الملل

|♥| رسالة أخرى |♥|

سئلت عائشة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كيف كان في بيته؟

قالت كان بشرا من البشر إلا أنه كان ضحوكا بساما

وكان في خدمة أهله يخصف نعله ويجلي ثوبه ثم يذهب إلى المسجد

تعلم أيها الزوج أن تساعد زوجتك إن كان هذا في مقدورك

وإذا كانت زوجتك متعبة أو مشغولة

،فخدمتك لنفسك ومساعدتك لها رسالة حب توجهها إليها فتحيي حبك في قلبها

فماذا كانت تفعل عائشة في بيتها الصغير وليس فيه أطفال

وكان يأتي الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا تطبخ وليس إلا التمر والماء

ماذا كانت تفعل ليساعدها و مع هذا يشاركها ليعطيها شعورا بالاندماج الكامل بينهما

و أن هذا البيت شركة يشاركها فيه فهو لا يساعد من أجل كثرة العمل

|♥| رسالة أخرى |♥|

الأنس

لم يكن – صلى الله عليه وسلم – في بيته قائدا ولا رئيسا

بل كان زوجا إذا دخل المنزل ترك مشاكله في الخارج

لم يفعل كما يفعل الكثيرون :يضحك في الخارج ويدخل منزله متجهما

ولا تسمع منه إلا الأمر والنهي

بل كان في بيته بساما ضاحكا

قالت عائشة – رضي الله عنها – كنت مع النبي في سفر

وطلب منها السباق فسابقها وفازت عليه فضحك

لم ينسى وهو في السفر أن يمتع نفسه هو وزوجته ويؤنسها ويفرح بأنسها

ما أعظمك يا رسول الله

وبعد سنوات وقد زاد وزنها سابقها وسبقها فقال ياعائش هذه بتلك

وهو في سفر، يؤنس زوجته وهو كبير في السن ..استوعب أيها الزوج

من بساطته في بيته أنّه كان جالسا في ليلة بين عائشة وسودة

في بيت عائشة ،و كانت عائشة صنعت حريرة (شوربة)؛ فقالت لسودة :كلي فرفضت

فكررت لها: كلي ،فرفضت فأخذت بكفها ولطخت به وجه سودة

وكان صلى الله عليه وسلم يضع رجله عليها ،فرفعها؛ وكأنه يقول لها: خذي حقك

فأخذت سودة بكفها ووضعت على وجه عائشة فضحك صلى الله عليه وسلم

كان يورد الأنس إلى بيته

سمع يوما جلبة في المسجد فنظر ؛فوجد حبوش يأتون ويهزجون

فقال ياعائش تشتهي تنظري قالت نعم

فألقى عليها رداءه وذقنها على كتفه وغطاها بردائه

وخدها بخده وهو يحمسهم للعب

وكل فترة يقول لها أشبعت تقول لا

ثم يقول لها حسبك تقول لا

وعندما حكت هذا الكلام قالت :كنت شبعت

ولكن فعلت ذلك لكي تعلم زوجاته مكانتي منه

وكان يجلب لها صويحباتها في العيد

يضربن بالدف لكي يفرحها ويؤنسها وكان أنسها يفرحه

|♥| رسالة أخرى |♥|

الصبر عليها من الحب

كان صلى الله عليه وسلم يفهم إنسانية الزوجات

وكانت صفية تحسن صنع الطعام ؛فأرسلت له قصعة فيها طعام ،وهو عند عائشة

فغارت وضربت الإناء فانكفأ وانكسر فقال غارت أمكم غارت أمكم

ولم يتغير وجهه بغضب ولم ينفعل، أليس صبره هذا وعدم عقابه وغضبه رسالة حب ؟

أسعد الله أيام الجميع بطاعته وحسن عبادته

«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً



بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا وشفعينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الكرام .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .

قبل كل شيء أقول : تقبل الله منكم الصيام والقيام، وجعلنا وإياكم من عتقاء هذا الشهر الكريم، والله نسأل أن يجعلنا فيه من الفائزين ، المرحومين، المكرمين .

فهذه مجموعة من القصص النبوية نقف عندها ، نسرد وقائعها، ونتفيؤ ظلالها، ونستلهم عبرها، ونستخلص دروسها ومكنون فوائدها ..

قصص رواها رسول الله e .. ليست نسج خيال ، وإنما حدَّث بها من قال عنه ربه :} وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى{ .

إنّ القصص ذكرها في القرآن ربنا ، وسلّى بها رسولنا ، e .. وما ذاك إلا لعظيم أثرها في تقويم السلوك ، فتأثر الإنسان بالقدوة كبير، وهانا تكمن أهميتها . ولذا لما أراد الله منّا أن نسلك الصراط المستقيم أبان لنا أنّ جمعاً كريماً من الذين رضي عنهم سلكه، وسار عليه، ليسهل علينا ، ففي الفاتحة :} اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم{ . وحتى تسهل علينا عبادة الصيام قال :} كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم{ . وفي القصص الذي رواها رسول الله e دعوة لمكارم الأخلاق ونبيل الصفات، فغذا علم الإنسان أنّ غيره ممن سبقه طرق باب هذه الفضائل أمكن أن يتحلى بها ، وكان العزم على ذلك آكد.

ومعنى القصة معروف ، ولذا قال في اللسان القصة معروفة. والمراد هنا : أحداث ووقائع رواها رسول الله e ، أما الأحداث التي وقعت للرسول e فهذه تُعلم بدراسة السيرة، وليس هذا بمراد هنا ..

ولئلا يتفلت الوقت من بين أيدينا أدلف إلى المراد فأقول ..

أقف اليوم مع أول قصة من هذه القصص.. حدَّث أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t عن رسول الله e قال :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : لَا . فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً . ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ ؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا ، مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ . وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ . فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوهُ ، فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» . قَالَ قَتَادَةُ : فَقَالَ الْحَسَنُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ .

هذه قصة جليلة القدر امتلأت بالفوائد والعبر ..

لقد قتل هذا الرجل تسعة وتسعين نفساً ثم حدثته نفسه بالتوبة، وهذا يدل على أنّ الإنسان مهما كان بعيداً عن الصراط المستقيم فإنّ الله إذا أراد أن يرده رده.. فلا يليق بك أيها المسلم أنْ تظن أنّ فلاناً بعيد عن رحمة الله .. واحذر أن تُنصب نفسك حكماً على عباد الله .

ومن عجيب ما يذكر أنّ أبا سلمة لما أراد الهجرة قابله عمر t ، وكان على الإشراك، فألان له عمر في الكلام، فقال له أحدهم: أتظن أن عمر يسلم ؟ قال : والله لو أسلم حمار الخطاب لما أسلم ابن الخطاب.. فأسلم عمر بن الخطاب وصار من سادات سادات الأولياء والصالحين .

لقد قتل هذا الرجل تسعة وتسعين نفساً .. عجيب هذا المخلوق الذي يسمى (بالإنسان) لربما قدَّم من الخير ما يُرضي عنه ربَّه.. ولربما عجِب الله من صنيعه، كما قال النبي e للأنصاري لما أطفأ السراج وتظاهر وزوجه بالأكل ولم يأكلا؛ ليشبع ضيفهما، فقال له النبي e :«لقد عجب ربكما من صنيكما بضيفكما البارحة» . ولربما ركب ثبج المعاصي وفعل أفعالاً لا يمكن تصورها بيسر من الشر والفساد والإفساد والانحلال . ولذا اجعل من في دعائك قول نبيك :«أعوذ بالله من شر نفسي» .

دُلَّ هذا الرجل على راهب فسأله .. فأفتى الراهب بغير علم فكان نصيبه منه القتل.. وهذا من شؤم القول على الله بغير علم .. والواجب على الإنسان أن لا يفتي إلا بعلم، وإذا سئل ولم يكن بالجواب عالماً فلا عيب أن يقول : الله أعلم، أو يرشد إلى غيره، أو يطلب وقتاً يبحث فيه المسألة، والإمام مالك رحمه الله ورضي عنه كان كثيراً ما يقول الله أعلم.. فما هو العيب في ذلك؟ العيب أن يتكلم الإنسان بدون علم فيقتحمَ بذلك نار جهنم والعياذ بالله . وقد كان النبي e يُسأل أحياناً فلا يرجع بجواب حتى ينزل القرآن عليه . إنّ أحداث هذه القصة شاهدة بخطورة الفتوى بدون علم، فالمفتي بدون علم قد يخرب بيتاً، ويدمر أسرةً، ويعين على باطل، ويحمل على كفر .. قد تضمنت أحداث هذه القصة صورتين للفتيا بدون علم .. الأولى لما سأل عن أهل الأرض فدُلّ على راهب ، والثانية : لما أفتى الراهب بعدم قبول التوبة .

إنّ من الخطأ الذي ارتكبه من دلّ هذا الرجل على الراهب أنهم لم يفرقوا بين العالم والعابد .. وهذا خطأ يتلبس به كثير من الناس في هذا الزمان، إذا رأى الواحدُ منهم رجلاً صالحاً يواظب على صلاة الجماعة، ويكثر من ذكر الله، وتبدو عليه أمارات الصلاح ظنه عالماً فسأله عن عباداته ومعاملاته .. ينبغي أن نفرق أيها الأحبة .. أنْ نفرق بين العابد والعالم، بين الخطيب والمفتي ، فليس كل عابد عالماً ، وليس كل خطيب يصلح لأن يتكلم في الفتيا وقضايا الأمة .

إنّ هذه القصة التي حدث بها حبيبنا e لتبينُ البون الشاسع والفرق الكبير بين العالم والعابد.. أوما قال رسول الله e :«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» .

لكن لو نظرنا نظرةً إيجابية لرد الراهب : ليس لك توبة . فهذا يدل على مسألة مهمة . وهي أنّ الإنسان كلما أكثر من عبادة الله ازداد تعظيماً لله .. فهذا الراهب ما قال ذلك إلا لتعظيمه لله ، وكثرةُ عبادته هي التي زادت من تعظيمه لربه . كون الراهب قال : لا توبة لك، هذا خطأ. لكن تأمل في سبب هذا الخطأ.. سببه شدة تعظيمه لله، وإنما أورثه ذلك كثرة عبادته. مع تأكيدنا على خطئه .

ولذلك أيها الإخوة قد نجد كثيراً من الشباب تصعب عليهم التوبة من بعض الذنوب .. كأن يكون الواحد منهم على علاقة عاطفية آثمة بالفتيات ، فتجده منزعجاً لهذه المعصية ولكنه لا يقدر على مفارقة سبيلها .. أتدري ما هي النصيحة التي ينبغي أن تقدم لمثل هؤلاء الشباب ؟ إنهم على خير عظيم.. ولولا ذلك لما لامتهم أنفسهم وأنبهم ضميرهم.. فهذا يدل على خير عظيم بنفوسهم .. ولكن النصيحة التي ينبغي أن توجه إليهم أن يجتهدوا في الطاعة، كلما أوغلوا في طريقها سهل عليهم أن يتخلصوا من هذه الآثام .

إنّ هذا الرجل أراد الله به خيراً .. انظروا كيف أنه ما زال يحدث نفسه بالتوبة حتى بعدما قتل الراهب وأكمل به المائة .. سبحان الله، إن هذا مما يؤكد قول الله تعالى :} وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ{ [يونس :107] .

وفي وقوله e :«فدل على راهب» قد يُستفاد منه –كما أشار ابن حجر رحمه الله – أنّ هذه القصة وقعت بعد رفع عيسى عليه السلام، فالرهبانية إنما ابتدعها أصحابه ، كما في سورة الحديد : } وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا{ .

وأشار ابن حجر أيضاً إلى قلة فطنة الراهب، لأنه علم أنّ القتل عند ذاك الرجل كشرب الماء، فكان عليه أن يحتاط لنفسه؛ لئلا يصاب بسوء .. ولكني أعود لأقول ثانية: وهو كذلك، ولكنها كما دلت على ذلك دلت أيضاً على أنّ كثرة العبادة تورث شجاعة بحيث لا يخشى الإنسان إلا من الله تعالى.

إنّ العلماء هم أرحم الناس بالخلق ، وأفضل العلماء من عرّف الناس بربهم، تأمل هذه العبارة التي نطق العالم بها يحفها النور وتكتنفها الرحمة من كل أنحائها :(ومن يحول بينك وبين التوبة) .

فلان له توبة أو ليس له توبة هذا لا يحدده شخص ، تُقبل منه أو لا تقبل .. هذا أمره لله تعالى ..

ماذا بقي في القصة من الفوائد؟ بقي كل شيء، وأعظم شيء ..

بقي أن نشير إلى عظيم رحمة ربنا بنا ..

لقد فتح الله باب التوبة للكافرين فقال: }قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ{ . فتحه لفرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى، قال الله لموسى وأخيه عليهما السلام :} فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى{. فتحه لمن قال اتخذ الله ولداً، مع أنه حدثنا عن خطورة هذه الكلمة بقوله :} وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا { . مع كل ذلك دعاهم إلى التوبة فقال : } لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ . فتحها لمعذبي أوليائه الذين خددوا الأخاديد وأضرموا النار فيها وقذفوا إليها بعباد الله الموحدين فقال :} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ{ . دعا إليها المنافقين بقوله : }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا{ . ندب إليه كل مسرف بعيد عنه فقال :} قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا{ .

المستمع الكريم: سوف لن تتمكن من الاستمرار على طريق التوبة إلا بعد أن تتخلص من كل شيء يذكرك بالذنب الذي عزمت على التوبة منه.. ولذا أرشد العالم ذاك الرجل إلى أن يبرح الأرض التي كان بها إلى أرض أخرى، وهذا يدل على تأثير البيئة في أهلها. ويدل على أهمية مجاورة الصالحين ، وعلى عظيم رحمة ذاك العالم الذي لم يكتف فقط بالإرشاد إلى أنّ باب التوبة مفتوح .. ولكن أرشد إلى ما من شأنه أن يعين عليها .

ولذا نجد بعض شبابنا يفارق الذنب ثم يعود إليه لأنه لم يتخلص من كل ما يتعلق به.. فالشاب الذي يريد بحق أن يقطع علاقته الآثمة مع فلانة هذه ينبغي أن يتخلص من صورها .. من كل مادة صوتية لها .. من كل رسائلها في جواله وفي بريده الإلكتروني .. أن ينأى بنفسه عنها . فإذا فعل ذلك سهلت التوبة عليه .

إنّ مما يعين على الاستمرار على طريق التوبة أن تفارق أصدقاء السوء .. وأن تتخذ لنفسك بطانة خير يذكرونك بالله إذا نسيت، ويعينونك على طاعته إذا ذكرت .

أسأل الله أن يتوب علينا، وأن يغفر ذنبنا ، وييسر أمرنا، ويتقبل صيامنا وقيامنا .

وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على نبيك محمد e نبيِّ الرحمة وعلى آله وصحبه أجمعين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ



بسم الله الرحمن الرحيم (21)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .

هذا هو اللقاء السادس والعشرون ، قصةٌ رواها من الصحابة جُنْدَبُ بنُ عبد الله t ، قال : قال رسول الله e :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ سِكِّينًا ، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» .

هذه القصة أخرجها الشيخان في الصحيحين .

وما مضى لفظ الإمام البخاري . لفظ مسلم :« إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا ، فَلَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، قَالَ رَبُّكُمْ : قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » .

وأقف معها ستَّ وقفات :

الوقفة الأولى في شرح الغريب .

الْقَرْحَة بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء وَهِيَ وَاحِدَة الْقُرُوح ، وَهِيَ حَبَّاتٌ تَخْرُجُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ . أو هي الجرح إذا دبَّ إليه الفساد . وبهذا يُجمع بين الروايتين ، فكان به جرح ثم آل إلى قَرحة .

وَالْكِنَانَةُ بِكَسْرِ الْكَاف هِيَ : جَعْبَة النُّشَّاب –هكذا بفتح الجيم- ، سُمِّيَتْ كِنَانَة ؛ لِأَنَّهَا تَكِنُّ السِّهَام ، أَيْ : تَسْتُرهَا .

ونكأها : فتحها وخرقها .

«حزّ بها يده» : قطعها . جزع : لم يصبر . «فما رقأ الدم» : لم يتوقف تدفقه .

الوقفة الثانية :

من أهم الفوائد التي أرشدت إليها هذه القصة : أنّ الانتحار من كبائر الذنوب . نهى الله عنه بقوله :} ولا تقتلوا أنفسكم{ . وتوعد رسول الله e من قتل نفسه في أحاديثَ كثيرةٍ .. ففي مسلم قال النبي e :«مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ» ، وفي رواية :« َمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وفي أخرى :« مَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ ذُبِحَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وفي صحيح البخاري :« الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ».

وثبت في الصحيحين قولُ نبيِّنا e :« مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» .

واسمع هذه الحادثةَ –أخي الكريم- لتعلم خطورة الإقدام على هذه الحماقة ، حماقةَ الانتحار .

ثبت في الصحيح عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ e رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ ، فَقَالُوا : مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا . قَالَ : فَخَرَجَ مَعَهُ ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ ، قَالَ : فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ :«وَمَا ذَاكَ» ؟ قَالَ : الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ ، فَقُلْتُ : أَنَا لَكُمْ بِهِ . فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e عِنْدَ ذَلِكَ :«إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .

وثبت أنّ رجلاً قتل نفسه فلم يصلِّ عليه النبي e .

الوقفة الثالثة :

الذي حمل هذا الرجل على أن يقدم على هذه الحماقة : الجزع . ولذا فالصَّبر خير عزاء لأهل البلاء ، وأيم الله أيها المستمعون ، لا يبرح الصبر قائمة أخلاقنا إلا ساء عيشنا ، وتغصت حياتنا ، والعكس بالعكس ، ولذا من درر علي t :" وجدنا خير عيشنا بالصبر".

الصبر كاسمه ، مرٌّ مذاقته ، لكن عواقبه ، أحلى من العسل .

ومما يحمل على الصبر : أن يُعلم : أنّ الانتحار لن يزيل البلاء ، وإنما سيزج بأهله في النار ، وهذا بلاء ما بعده بلاء .

الذي تتراكم عليه الهموم فيصبر سيكفرُ الله عنه سيئاته ، ويدخلُه مدخلاً كريماً .

والذي يُصاب بالمصائب فيقتل نفسه انتقل من عذاب الدنيا إلى عذاب جهنم .. ما أجملَ عاقبة الصبر . وما أقبحَ هذه الجريرة التي تجر بأصحابها إلى نار جهنم .

الوقفة الرابعة :

في القصة أنّ هذا الرجل استعجل الراحة فعوقب بأن حرم الله عليه الجنة ، فلم يحظ بمراده . ففيه دليل على القاعدة المعروفة : من استعجل الشيءَ قبل أوانه عوقب بحرمانه .

الوقفة الخامسة :

ليس أحاديث تحريم قتل الإنسان لنفسه دليلاً على مذهب الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الكبائر . فعقيدتنا أنّ كل ذنب سوى الشرك بالله لا يُخلد صاحبه في النار . وإنما هو تحت المشيئة ، إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عذب أصحابه ، ولكنهم لا يُخلدون في النار ، فلا يخلد في النار إلا الشرك بالله .

فإن قيل : كيف نوفق بين هذا وبين قول الله تعالى : حرمت عليه الجنة .

الجواب بواحد من الوجوه التالية :

1. أنّ هذا الرجل كان مستحلاً ، ومستحل الحرام كافر مخلد في النار .

2. أو يقال : حرمها عليه حين يدخلها الأبرار ، ثم يكون يدخلها بعد ذلك .

3. وَيُحْتَمَل أَنَّ شَرْع أَهْل ذَلِكَ الْعَصْر تَكْفِير أَصْحَاب الْكَبَائِر

4. أو أنّ هذا الرجل كان كافراً في الأصل وعوقب بذلك زيادةً على كفره .

5. أو أنّ المراد جنةٌ معينة ، كالفردوس مثلاً .

وقيل غير ذلك . وعلى أية حال فلا يمكن أن يتمسك التكفيريون بمثل هذه النصوص . وسأورد قصةً هي قاصمة الظهر لهم ..

فأين يفرون من هذه القصة ؟

الوقفة السادسة:

وأختم بها إن شاء الله :

ليس في الحديث دليلٌ للمعتزلة . ماذا يقول المعتزلة ؟ يقولون : المقتول مقطوع عليه أجله . ولولا قتل القاتل لنفسه أو لغيره لعاش المقتول .

وهذا سفه قلّ مثله . ومن عجب أنهم استدلوا بهذا الحديث .«بادرني عبدي بنفسه» . فقالوا : كان أجله إلى أبعد من ذلك فبادر به .

والرد عليهم من وجوه كثرة أجتزئ منها وجهين :

الأول : المراد بالمبادرة مباشرة الأسباب المحرمة . قال ابن حجر رحمه الله :" هي مُبَادَرَة مِنْ حَيْثُ التَّسَبُّب فِي ذَلِكَ وَالْقَصْد لَهُ وَالِاخْتِيَار ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَة لِوُجُودِ صُورَتهَا". أي : وليس المراد أنّ له أجلاً غير هذا لم يبلغه . فالقاتل يعاقب لأنه باشر الأسباب المحرمة .

الثاني : كيف يكتب الله أجلاً للإنسان ولا يبلغه؟ أجل الله لا يتقدمه أحد ولا يستأخر عنه . قال تعالى :} وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ{ .

أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ



بسم الله الرحمن الرحيم (20)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .

هذا هو اللقاء العشرون .. نلتقي بعبادةَ بنِ الصامت ليحدثنا عن أمر وقصة أخبر بها النبي e ، قال عليه الصلاة :«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ –وهذه هي القصة : تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ- قال: وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» .

أخرجه البخاري رحمه الله . وهو عند غيره ، ولكنَّ الحديثَ إذا كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما .

هذه القصة اشتملت على غريب وفوائد ..

أما الغريب والكلمات التي تحتاج إلى شرح فهي كلمة واحدة (تلاحى) ، ومعناها : تخاصم .

والرجلان : قال في الفتح :" قِيلَ هُمَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي حَدْرَد ، وَكَعْب بْن مَالِكٍ . ذَكَرَهُ اِبْن دِحْيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا".

وأما ليلة القدر فسميت بذلك لأمور :

1/ أن الأمور تُقدر فيها . قال تعالى : }فيها يُفرق ...{

2/ أنها ذات قدْر وشرف . ومن عبد الله فيها كان ذا قدر .

3/ لأن الأرض تضيق بالملائكة ، قال تعالى :} فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ { يعني : لن نضيِّقَ عليه .

4/ ولأن من لم يكن ذا قدر صار بقيامها والعبادة فيها ذا قدر.

5/ ولأنه نزل فيها كتاب ذو قدر ، على أمة ذاتِ قدر ، بواسطة ملَك ذي قدر .

بقي أن أقف مع فوائد هذه القصة ، فالقصة هذه مع قصرها :« تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ» فقد حوت الكثيرَ من الفوائدِ . أذكر منها إحدى عشرة فائدة:

الأولى :

حرص النبي e على ما ينفعنا ، فقد خرج ولاهمّ له إلا أن يطلع الناس على موعد ليلة القدر . فهو من قال الله تعالى عنه :} لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{ .

ولقد قال e :«إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَجَعَلَتْ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ ، وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ» [أخرجه الشيخان] . فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته .

الثانية :

أنّ النبي e والصحابة لا يعلمون الغيب . ومن المقرر في عقائد المسلمين أن الأنبياء لا يعلمون من الغيب إلا القدر الذي أذن الله فيه ، قال تعالى :} عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا{ . وقال عن سيدنا ونبينا e :} وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{ . وهل أدلُّ على ذلك من قصة الإفك التي ترك فيها زوجَه عائشة رضي الله عنها في الفلاة لوحدها ؟

الثالثة :

أنّ الخصومة بين الناس فسادٌ وشر . ومن شؤمها أنّ الله تعالى لم يطلعنا على زمن هذه الليلة بسببها . قال الإمام البخاري في تبويب هذا الحديث :" بَابُ رَفْعِ مَعْرِفَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِتَلَاحِي النَّاسِ". وقد بينت النصوص الصحيحة أنّ لها آثاراً سيئة على الفرد والجماعة ..

فمن شؤمها أنّ أصحابها محجوبون عن المغفرة التي تكون ليلة النصف من شعبان . فلقد ثبت عن نبينا e أنه قال :«إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ على جميع خلقه ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» .

ومما يجلي ذلك كذلك هذا الحديث ، قال e :« تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ : اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» [أخرجه مسلم] .

ومن هذه الآثار السيئة أنّها تذهب بدين الإنسان ، قال نبينا e :« فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين» .

فعلى المسلم أن يبادر بالعفو عن إخوانه طلباً لمرضاة ربه ، أما يكفيك قول الله تعالى للصديق الأكبر .. لسيد الأولياء أبي بكر الصديق t :} وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{

ما انتهى أبو بكر t من سماعها إلا قال :" بَلَى ، وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي" . فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ : "وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا" [أخرجاه في الصحيحين] .

الرابعة :

لا يُعلم وقتُ ليلة القدر تحديداً كما دل عليه هذا الحديث ، ولكن دلت السنة الصحيحة عن رسول الله e على أنها في العشر الأخيرة من رمضان ، ففي صحيح مسلم قال رسول الله e :« الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي» . وفي الصحيحين قال :«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» . فينبغي أن يلتمسها المسلم في العشر كلها . لأن قوله e :« الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» محتمل لأمرين . قال ابن حجر رحمه الله :" يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِالتَّاسِعَةِ تَاسِع لَيْلَة مِنْ الْعَشْر الْأَخِير ، فَتَكُونَ لَيْلَةَ تِسْع وَعِشْرِينَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِهَا تَاسِع لَيْلَةٍ تَبْقَى مِنْ الشَّهْر فَتَكُون لَيْلَة إِحْدَى أَوْ اِثْنَيْنِ بِحَسَبِ تَمَام الشَّهْر وَنُقْصَانِهِ... وفي المسند فِي :«تَاسِعَةٍ تَبْقَى » ". ولذا ينبغي الاجتهاد في العشر كلها.

الخامسة :

لا يمكن أن يقدر الله شراً محضاً ، ففي هذه القصة قال النبي e :« فَرُفِعَتْ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» ، وهذا معنى قول نبينا e :«والشر ليس إليك» .

السادسة :

أنّ في رفع ليلة القدر خيراً . ولعل الحكمة في رفع ليلة القدر – أقصد رفعَ تعيينها- أن يجتهد الإنسان في العشر كلها فيكونَ ذلك خيراً له . كما أخفى على الإنسان وقت موته لشغل كل وقته بطاعة الله . قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :" فَعَسَى أَنْ يَكُون خَيْرًا " فَإِنَّ وَجْهَ الْخَيْرِيَّةِ مِنْ جِهَة أَنَّ خَفَاءَهَا يَسْتَدْعِي قِيَام كُلّ الشَّهْر أَوْ الْعَشْرِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَتْ مَعْرِفَةُ تَعْيِينِهَا".

السابعة :

أنّ من علم بليلة القدر فالسنة أن لا يخبرَ بها ، لئلا يتكاسل الناس بقية الشهر ، ولأن علمه لا يعدو أن يكون ظناً . وقد أشار في الفتح لهذه الفائدة .

الثامنة :

تقدير الأمور بأسبابها ، قال :«تلاحى فرفعت» .

التاسعة :

تسلية من فاته خيرٌ يرجوه . لقول النبي e :« وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» .

العاشرة :

أهمية تحري ليلة القدر .

وهذا التحري لتلك الليلة لما للعبادة من أجر عظيم فيها ، قال تعالى :} ليلة القدر خير من ألف شهر{ . أي : العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر . وقد ثبت في الصحيحين قول نبينا e :«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» . ومن حكم الاعتكاف في العشر : أنه يعين على تحري ليلةِ القدر .

واعلم أيها المستمع الكريم – وفقك الله- أنّ هذه الليلة لها علامات ثابتة في السنة النبوية ..

منها : ما جاء في حديث رسول الله e :«تَطْلُعُ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» . وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله e قال في ليلة القدر : « ليلةٌ سَمْحَةٌ طَلِقَةٌ ، لا حارةٌ ولا باردةٌ ، تُصبحُ الشمسُ صبيحتها ضعيفةً حمراءَ» [أخرجه ابن خزيمة والبزار] .

فهي ليلة يضاعف ثواب العمل فيها ، وليست نوراً يأتي للإنسان كما تتوهمه بعض النساء .

الفائدة الأخيرة :

أن من عقيدة أهل السنة – وهنا أشير إلى أني لا أقصد بأهل السنة جماعةً .. فأعوذ بالله أن أدعو إلى جماعة أو حزب أو طائفة أو جمعية، وإنما أُريد بهم من أخذ بالسنة وتمسك بها كما عرفهم ابن تيمية رحمه الله – أقول من عقيدتهم عدم عصمة الصحابة ، وسوف لن أجد هنا كلاماً أنقله أفضل من كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله :" وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ ؛ بَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَهُمْ مِنْ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إنْ صَدَرَ ، حَتَّى إنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنْ السَّيِّئَاتِ مَا لَا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ e " إنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ " " وَإِنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ " ، ثُمَّ إذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ ، أَوْ أَتَى بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهُ ، أَوْ غُفِرَ لَهُ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ e الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ ، أَوْ اُبْتُلِيَ بِبَلَاءِ فِي الدُّنْيَا كَفَّرَ بِهِ عَنْهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ فَكَيْفَ بِالْأُمُورِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ : إنْ أَصَابُوا فَلَهُمْ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ لَهُمْ ؟ ثُمَّ الْقَدْرُ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْمُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَالْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمِ وَبَصِيرَةٍ وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَضَائِلِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ لَا كَانَ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ هُمْ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى".

أكتفي بهذا القدر ، سائلاً الله أن يجعلنا من عباده الذين يصيبون هذه الليلة ويبلغون فيها رضاء الله .

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ ***حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا





بسم الله الرحمن الرحيم (19)


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .


.. ونلتقي اليوم بنافع .. مولى ابن عمر رضي الله عنهما ، ليخبرنا بحديث ابن عمر الذي حدث به عن رسول الله e ، قال رسول الله e :« بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ ([1])، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ . (وفي طريقٍ : عفا الأثر ، ووقع الحجر ، ولا يعلم بمكانكم إلا الله ، ادعوا الله بأوثق أعمالكم) .


فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ ([2])، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ ، وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا ، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا . فَقَالَ لِي : إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ . فَقُلْتُ لَهُ : اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ ، فَسَاقَهَا ، فلم يترك شيئاً . فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ (وفي طريق : رجاء رحمتك ومخافة عذابك) فَفَرِّجْ عَنَّا . فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ ([3]).


فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي ، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً ، فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا ، وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ ([4])، فَكُنْتُ لَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا ، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ . فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا . فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ .


فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَأَنِّي أردتها عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي ، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي ، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا ، فَفَعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ : لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا. فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا» .


هذه القصة أخرجها البخاري ومسلم في الصحيحين .


وهي جليلة القدر ..


في القصة : التوسل بالعمل الصالح ، ولا ريب أنّ هذا مشروع ، والأدلة عليه كثيرة. والتوسل : التقرب ، والمراد أن يجعل الإنسان بين يدي دعائه ما يكون سبباً لقبوله ، والتوسل المشروع يكون بأسماء الله وصفاته ، كأن تقول : يا رزاق ارزقني ، ويكون بالعمل الصالح كما في هذه القصة ، ومن هذا النوع التوسل بالإيمان فإنه عمل صالح ، ومنهم من يجعله قسماً خاصاً ، ولا مشاحة في ذلك ، ويكون بذكر الحال وإظهار الفقر كما قال موسى عليه السلام :} رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{ ، وكقوله تعالى عن نوح عليه السلام :} فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ{ ، وعن زكرياءَ عليه السلام :} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا{ .


ومن أنواعه التوسل بدعاء العبد الصالح ، فليس من حرج أن تطلب من شخص تومت فيه صلاحاً أ يدعوَ لك ، وإنما الحرج أن تدعوَ هذا الصالح ، فهنا الحرج والشرك والكفر والمقت .


وأما التوسل بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة فليس بمشروع ، كالتوسل بجاه النبي e أو بحق فلان ؛ لأن جاه النبي e عند الله عظيم بلا شك ، ولكن من ينتفع به ، تنتفع به أنت أم ينتفع به هو عليه الصلاة والسلام . أنت تتوسل لنفع نفسك ، فما معنى أن تتوسل بشيء لا ينتفع به إلا رسول الله وهو جاهه عند الله . هذا ليس بمشروع ولم يرد في حديث صحيح .. أرجو الانتباه ، أقول : لم يثبت في حديث صحيح .


وفي القصة أنّ الأمانة من أعظم الأعمال ، ولقد سبق الحديث عن فضلها في قصة ماضية .


وفيه بركة الدعاء ، وأنه إذا ألمت بالمرء ضائقة فعليه أن يرفع أمره إلى الله ، وأن يلجأ إليه .


إن من العجائب أنّ المشركين قال الله عنهم :} فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ{ ، وكثير من الناس عند الضيق يلجئون لفلان وفلان .. فما أشدّ كفرَهم بالله .


ولقد قال هؤلاء الثلاثة : اللهم إن كنت تعلم ! قال ابن حجر رحمه الله :" فِيهِ إِشْكَال ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِن يَعْلَم قَطْعًا أَنَّ اللَّه يَعْلَم ذَلِكَ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي عَمَله ذَلِكَ هَلْ لَهُ اِعْتِبَار عِنْد اللَّه أَمْ لَا ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ كَانَ عَمَلِي ذَلِكَ مَقْبُولًا فَأَجِبْ دُعَائِي". وبهذا يزول الإشكال .


لقد دلت القصة على فضل برِّ الوالدين .. كان بالإمكان أن يسقي هذا الرجل أهله ولا يقدح هذا في برِّه .. فإذا كان هذا الرجل لم يقدم أهله على والديه فيما لا حرج فيه .. فكيف تسول لنا أنفسنا أن نقدم زوجاتنا على أمهاتنا فيما فيه الحرج والإثم ؟! لقد قرن الله حقه بحق الوالدين في آيات عديدة ، منها قوله :} وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً{ .. وأيم الله .. وأيم الله .. وأيم الله لا يُغضب أحدنا أمّه بسبب زوجته إلا كدّر الله عليه صفو حياته .. إن لزوجك عليه حقاً ، ولأمك عليك حقاً .. والواجب أن يعطي الإنسان كلّ ذي حق حقه .. ولربما تشابهت الأمور، واستحكمت السفاسف على العقول .. ولكن يَذهب ذلك بأن نسدد ونقارب ..} وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا{ . قال ابن حجر :" وفي القصة : فَضْل بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَخِدْمَتهمَا وَإِيثَارهمَا عَلَى الْوَلَد وَالْأَهْل وَتَحَمُّل الْمَشَقَّة لِأَجْلِهِمَا . وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ تَرْكه أَوْلَاده الصِّغَار يَبْكُونَ مِنْ الْجُوع طُول لَيْلَتهمَا مَعَ قُدْرَته عَلَى تَسْكِين جُوعهمْ فَقِيلَ : كَانَ فِي شَرْعهمْ تَقْدِيمُ نَفَقَة الْأَصْل عَلَى غَيْرهمْ ، وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنَّ بُكَاءَهُمْ لَيْسَ عَنْ الْجُوع ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَرُدّهُ. وَقِيلَ : لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ زِيَادَة عَلَى سَدّ الرَّمَق ، وَهَذَا أَوْلَى".


وفي القصة إثبات الكرامات للصالحين ، وفضل الإخلاص ،


ومن أعظم دروسها : فضل العفة . وهذا ميدان فسيح لا أريد اقتحامه ؛ لئلا ينأى بيَ الرجوع .. وحسبي هنا أن أذكر بأن من أسباب انتشار الزِّنا : الفقر . الفقر ما حل بساحة قومٍ إلا واندثرت معالم الأخلاق الفاضلة عندهم إلا ما شاء الله . وسيأتي هذا –إن شاء الله – في قصة منفصلة .


وهل من الفوائد أنّ الْمُسْتَوْدَع إِذَا اِتَّجَرَ فِي مَال الْوَدِيعَة كَانَ الرِّبْح لِصَاحِبِ الْوَدِيعَة؟ خلاف ليس هذا موضعَ ذكره.


ختاماً أيها الأخ الحبيب :


أريد منك الآن أن تسرح بخيالك قليلاً .. إذا كنت واحداً من هؤلاء الثلاثة فأي الأعمال كنت ستذكر ؟


فإن وجدت عندك ما تذكره فاحمد الله ، وإلا فالفرصة سانحة أمامك لتوجد الكثير من مثل هذه الأعمال.


أسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى .


وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .











[1] / أي : انطبق عليهم باب الغار بصخرة عظيمة لا يقدرون على إزاحتها .



[2] / الفَرَق : مكيال يسع ثلاثة آصع ، والصاع : أربعة أمداد كمدِّ النبي e .



[3] / أي : اتسعت . ولكن لمقدار لا يفي لخروجهم .



[4] / وَالضُّغَاء بِالْمَدِّ الصِّيَاح بِبُكَاء .

: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا . قَالَ : فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ .



بسم الله الرحمن الرحيم (18)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هذا هو اللقاء الثامن عشر .. وفيه يكون الحديث عن قصةٍ رواها البخاريُّ رحمه الله في مواضعَ عديدةٍ من صحيحه .. والقصة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e أَنَّهُ قال :«إنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ ([1]) أَلْفَ دِينَارٍ . فَقَالَ : ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ . فَقَالَ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا . قَالَ : فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ . قَالَ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا . قَالَ : صَدَقْتَ . فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا ، فَأَخَذَ خَشَبَةً ، فَنَقَرَهَا ([2]) ، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ([3]) ، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا ، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ .

فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا».

هذه قصة لولا أنّ رسول الله e رواها لصَعُب تصديقها ..

وفي القصة فوائد :

منها : مشروعية الدين . ولا خلاف في ذلك . والمقرض له أجر كبير ، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، قَالَ : ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» ؟ قَالَ : «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» .

منها : أنّه ينبغي على الإنسان أن يُوثِّقَ دينه ويحافظ على ماله ، فذاك الرجل كان يداين الناس ويطلبُ كفيلاً ، وفي هذا حفظٌ للحقوق .

ومنها : جواز الأجل في القرض .

فإن حلّ الأجل وجب الوفاء .

قال النبي e :«مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته» ..

فإن لم يجد المدين ما يدفعه للدائن فلا أقلَّ من الذهاب إليه وإخباره بعبارة لطيفة بدلاً من التخفي منه .

فإذا اطلع الدائن على حال صاحبه فعليه أن يُنظره لقول الله تعالى :} وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{ .

ومنها : التَّحَدُّث عَمَّا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ مِنْ الْعَجَائِب لِلِاتِّعَاظِ ، وإلا لكان الكلام لغواً لا فائدة فيه ، ولام رسول الله eمنزه عن مثل ذلك .

وفيها : بيان ثمرة التوكل على الله ببذل الأسباب ..

وفي القصة صورتان من صور التوكل الصادق ..

توكل الدائن على الله ورضي بالله شهيداً وكفيلاً ..

وتوكل المدين على ربه لما دفع المال في البحر ، واتخذ ما يقدِر عليه من الأسباب : كالدعاء ونقر الخشبة ثم وضعِ المال في جوفها ، ثم إصلاحِ ثقبها .. وقد قال تعالى :} ومن يتوكل على الله فهو حسبه{ ، فكل أمورك لله ، واتخذ ما تحت يدك من الأسباب ، ولا تُعلِّق بها قلبك ، والله ولي أمرك .. ومَنْ صَحَّ تَوَكُّله أفلح سعيه .

ومن الفوائد : أنه ينبغي الحرص على إرجاع الحقوق ..

وأريد منك أن تتأمل هذه القصة التي وقعت بين النبي e ورجل من أصحابه ..

عن رجل من العرب : زَحَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِى رِجْلِى نَعْلٌ كَثِيفَةٌ ، فَوَطِئْتُ بِهَا عَلَى رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ e ، فَنَفَحَنِى نَفْحَةً بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ وَقَالَ :« بِسْمِ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِى ». قَالَ : فَبِتُّ لِنَفْسِى لاَئِماً أَقُولُ أَوْجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e . قَالَ : فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ كَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا رَجُلٌ يَقُولُ : أَيْنَ فُلاَنٌ؟ قَالَ قُلْتُ : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كَانَ مِنِّى بِالأَمْسِ - قَالَ - فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مُتَخَوِّفٌ ، فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّكَ وَطِئْتَ بِنَعْلِكَ عَلَى رِجْلِى بِالأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِى ، فَنَفَحْتُكَ نَفْحَةً بِالسَّوْطِ ، فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَةً فَخُذْهَا بِهَا »([4]) .

إنّ المرء ليعجب من أناس يقسمون بالله كاذبين ليأكلوا أموال الناس .. أوما علم أولئك بقول رسول الله e : «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :«وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [خرجه مسلم] .

وفي القصة أنّ من أحسن الظن بربه كان الله عند ظنه .

وفيها بيان قدرة الله .

وفيه فضل الأمانة ، وهي أول ما يُضَيَّع ، وقد بوب البخاري في صحيحه باب : رفعِ الأمانه ، وساق حديث رسول الله e :«لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيُقَالُ : إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا » . ولا أدري أجاء هذا الزمان أم لا . ولقد أضاعها كثير من الخاصة فكيف بغيرهم . إنك لتجد المرء من أحسن الناس صلاةً ، وربما تصدر للخطابة والحديث ، فإذا عاملته بالمال بان لك حقيقة أمره ، والله المستعان ، وإليه المشتكى . وقد قال تعالى :} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا{ وقال النبي e :«اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ : اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» [خرجه الإمام أحمد] .

أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله ورعايته ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .






[1] / سأله ديناً .


[2] / حفرها .


[3] / سَوَّى مَوْضِع النَّقْر وَأَصْلَحَهُ .


[4] / سنن الدارمي : ((1/48» ، وصححه الألباني في السلسلة برقم ((3043» .

، فَأَتَى الْأَبْرَصَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيْ



بسم الله الرحمن الرحيم (17)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هذا هو اللقاء السابع عشر .. والموعد اليوم مع قصة خرّج أحداثها الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e :« إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا ، فَأَتَى الْأَبْرَصَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : لَوْنٌ حَسَنٌ ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي ([1]) النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْإِبِلُ . فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ([2]) ، فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .

فَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : شَعَرٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْبَقَرُ ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .

فَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ . فَمَسَحَهُ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْغَنَمُ . فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا ، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا ([3]) ، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ .

ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ ([4]) فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي . فَقَالَ : الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ . فَقَالَ لَهُ : كَأَنِّي أَعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ ؟ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ [5] . فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .

وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا . فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .

وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، وَابْنُ سَبِيلٍ ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي . فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي ، فَخُذْ مَا شِئْتَ ، وَدَعْ مَا شِئْتَ ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ ([6]) .

فَقَالَ : أَمْسِكْ مَالَكَ ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» .

ما أجملها من قصة ! وما أحسنها من موعظة !!

وفي القصة فوائد :

منها : أنّ الدنيا دار امتحان ، وإنما أوجدنا الله فيها ليبتلينا ، قال سبحانه :} تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{ .

ومنها : أنّ الملائكة يتشكلون ، وهذا ورد كثيراً في السنة .

ومنها : الترفق والتلطف في معاملة أهل البلاء ، فهؤلاء الثلاثة مما زاد البلاء عليهم اشمئزاز الناس . وهنا لطيفة لا يفوتني ذكرها .. لا شك أيها المستمع الكريم أنك تعلم أنّ من رأى مبتلى فالسنة أن يقول :« الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً» ، ولكن نص أهل العلم على أنه لا ينبغي أن يسمعه لئلا يجرحه .

ومنها : أن يحرص الإنسان على أن يكون ممن تدعوا له ملائكة الرحمن ، فلقد دعا الملك لهؤلاء الثلاثة بالبركة في المال فبارك الله لهم في أموالهم .

وممن تدعوا له الملائكة من دعا لأخي بظهر الغيب ، قال e :« عند رأسه ملك موكل كلما دعا له قال : آمين ولك بمثل» .

وتتفرع عن الفائدة السابقة الفائدة اللحقة ، وهي :

أنّ الإنسان عليه أن يحذر من أن يدعو ملك عليه . وممن دعت عليهم الملائكة من أدرك رمضان ولم يغفر له ، دعا عليه جبريل ، وأمّن على الدعاء رسول الله e ، وكان الدعاء لحظة صعود النبي e على المنبر .. فهل يُرد دعاءٌ هذا شأنه ؟

ومن الفوائد : أنّ النعم تزول بكفرانها وجحودها . وتبقى بشكرها ، قال تعالى :} وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ ، وقال :} لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ{ . فإن أردت بقاء ما أنعم الله به عليك فكن من القلة الشاكرة .

ومن أهم الفوائد : أنّ الإنسان عليه أن يتأدب مع الله في العبارة ، فقد قال الملك : فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ . وكثير من الناس يأتي هنا بحرف الواو الدال على التسوية ، والتسوية لا تسوغ بين الخالق والمخلوق .. قال النبي e :« لا تقولوا : ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان » [رواه أحمد وأبو داود].

فلا تقل : لولا الله وفلان ، ولكن قل : لولا الله ثم فلان . لا تقل : أعوذ بلله وبك ، ولكن قل : بلله ثم بك وهكذا .

ومن الفوائد ما جاء في كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد :" أنّ الرسول e يقص علينا أنباء بني إسرائيل لأجل الاعتبار والاتعاظ بما جرى، وهو أحد الأدلة لمن قال : إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه،ولا شك أن هذه قاعدة صحيحة".

ومنها عظيم قدرة الله الذي أذهب عنهم البلاء في طرفة عين .

ومنها : جواز الدعاء المعلق ، إن كنت كاذباً فصيرك الله . وفي دعاء الاستخارة :«اللهم إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر » .

ومنها : ثبوت الإرث في الأمم السابقة، لقوله : (ورثته كابرا عن كابر)

ومنها أنّ من صفات الله الرضى والسخط ونحن نثبت معناها ونفوض كيفها لأن الكيف لا يُعلم إلا بمشاهدة من أُريد تكييفه ، أو بمشاهدة مثله ، أو بخبر صادق يخبر عنه .

قال ابن حجر :" وَفِيهِ فَضْل الصَّدَقَة وَالْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامهمْ وَتَبْلِيغهمْ مَآرِبهمْ ، وَفِيهِ الزَّجْر عَنْ الْبُخْل ، لِأَنَّهُ حَمَلَ صَاحِبه عَلَى الْكَذِب ، وَعَلَى جَحْد نِعْمَة اللَّه تَعَالَى .

أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله ورعايته ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .







[1] / أي اشمأزوا من رؤيتي . وفي رواية :« قَذِرُونِي الناس» على لغة أكلوني البراغيث .


[2] / هِيَ الْحَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي حَمْلهَا عَشْرَة أَشْهُر مِنْ يَوْم طَرَقَهَا الْفَحْل .


[3] / وَمَعْنَاهُ تَوَلَّى الْوِلَادَة وَهِيَ النَّتْج وَالْإِنْتَاج . والمولِّد للغنم كالقابلة للمرأة ، والناتج للإبل .


[4] / الحبال : الأسباب . أي انتقطعت بيَ الحيل .


[5] / يعني : وَرِثْته عَنْ آبَائِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ أَجْدَادِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ كَبِيرًا عَنْ كَبِير فِي الْعِزّ وَالشَّرَف وَالثَّرْوَة


[6] / أي : لَا أَحْمَدك عَلَى تَرْك شَيْء تَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ مَالِي . وهذا كرم قلَّ مثلُه .

:« يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ





بسم الله الرحمن الرحيم (16)


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..


. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


نقف مع أحداث قصة ستحدث في المستقبل ، حدث بها رسول الله e ، ورواها عنه ابنُ عباس رضي الله عنهما ، وأخرجها الترمذي في جامعه ، والنسائي وابن ماجة في السنن ، والطبراني في معجمه الكبير ، قال e :« يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، هَذَا قَتَلَنِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وُيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ » .


تشخب : بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِهَا ، أَيْ تَسِيلُ .


والْأَوْدَاجُ : مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنْ الْعُرُوقِ .


نستفيد من القصة ما في جريمة القتل من إثم كبير ووزر عظيم ، ومن قتل نفساً بغير حق فقد سَاء لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا.. واعلم أيها المستمع الكريم أنّ أول جريمة قتل في تاريخ البشرية ما حكاه الله تعالى بقوله :} وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [المائدة: 27-30]. وقد قال رسول الله e :«لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» [البخاري ومسلم] .


والنصوص في تحريم هذه الكبيرة كثيرة جداً .. وهذا سرد لبعضها ..


قال تعالى : } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ [الأنعام:151] . وقال : } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ [الإسراء :33] .


قال أبو بَكْرَةَ t: قال رسول الله e :«أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ . قَالَ :«أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا : بَلَى . قَالَ :«فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ :«أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ »؟قُلْنَا : بَلَى . قَالَ :«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا » [البخاري ومسلم] . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» [البخاري ومسلم] . وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله e يطوف بالكعبة ويقول :«ما أطيبك ! وما أطيب ريحك !! ما أعظمك ! وما أعظم حرمتك !! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك» .


ولقد جاء الترهيب فمن هذه الجريمة في كثير من النصوص الشرعية أجتزئ منها ما يلي :


قال ربنا تعالى :} وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ [النساء :93] . وقال تعالى : }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا 68 يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا{ [الفرقان : 68-69] .


وعن أبي الدرداء t قال : سمعت رسول الله e يقول :« كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا ، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» [أخرجه أبو داود وابن حبان] .


ولقد أخبرنا نبينا e بأنّ أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء كما في الصحيحين .


وفي صحيح البخاري يقول نبينا e :«لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» قال ابن عمر : إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ .


وقبل أن أنتقل بكم أخي الكريم ائْذَنْ لي بأن أسمعك هاتين القصتين :


الأولى :


خرجها الشيخان في صحيحهما ، عن أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى الْحُرَقَةِ –والحرقة : بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَة- قال : فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَكَفَّ الْأَنْصَارِيُّ ، وطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ . فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ e ، فَقَالَ :«يَا أُسَامَةُ ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؟ قُلْتُ : كَانَ مُتَعَوِّذًا . قال :« كيف تصنع بلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ قال : قالها مُتَعَوِّذًا مِنْ الْقَتْلِ. قال :« كيف تصنع بلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ قال : يا رسول الله استغفر لي . فلم يزد على قوله : :« كيف تصنع بلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ حتى قال أسامة : حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ .


الثانية :


أخرجها ابن ماجة ، وهي –كما روى عِمران بن الحُصَين- أنّ رسول الله e بَعَثَ جَيْشًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا لَقُوهُمْ قَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا فَمَنَحُوهُمْ أَكْتَافَهُمْ ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ لُحْمَتِي –أي من قرابتي ، هكذا يقول عمران - عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالرُّمْحِ ، فَلَمَّا غَشِيَهُ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي مُسْلِمٌ . فَطَعَنَهُ ، فَقَتَلَهُ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ e فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ ؟ قَالَ : «وَمَا الَّذِي صَنَعْتَ» ؟ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e :«فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ مَا فِي قَلْبِهِ» . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ لَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ. قَالَ :«فَلَا أَنْتَ قَبِلْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ، وَلَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ» ! قَالَ : فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ e ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ ، فَدَفَنَّاهُ ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، فَقَالُوا : لَعَلَّ عَدُوًّا نَبَشَهُ . فَدَفَنَّاهُ ، ثُمَّ أَمَرْنَا غِلْمَانَنَا يَحْرُسُونَهُ ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، فَقُلْنَا : لَعَلَّ الْغِلْمَانَ نَعَسُوا . قال : فَدَفَنَّاهُ ، ثُمَّ حَرَسْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ . فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ e فَقَالَ :« إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَنْ يُرِيَكُمْ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .


اللهم باعد بيننا وبين أعراض ودماء إخواننا المسلمين كما باعدت بين المشرق والمغرب


رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَ



بسم الله الرحمن الرحيم (15)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هذا هو اللقاء الخامس عشر ، نلتقي اليوم مع قصة منامية ثبتت في صحيح الإمام البخاري ، رواها سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ e إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : « مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا » ؟ قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا ، فَقَالَ : « هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا » ؟ قُلْنَا لاَ . قَالَ « لَكِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى فَأَخَذَا بِيَدِى ، فَأَخْرَجَانِى إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى شِدْقِهِ ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ . قُلْتُ :«مَا هَذَا» ؟ قَالاَ : انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا .

حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ . قُلْتُ :«مَنْ هَذَا» ؟ قَالاَ : انْطَلِقْ ..

فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا ، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا ، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا ، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ . فَقُلْتُ:« مَنْ هَذَا» ؟ قَالاَ :انْطَلِقْ .

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِى فِى النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِى فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِى فِيهِ بِحَجَرٍ ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ . فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالاَ انْطَلِقْ .

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَفِى أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا ، فَصَعِدَا بِى فِى الشَّجَرَةِ ، وَأَدْخَلاَنِى دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا ، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَانِى مِنْهَا فَصَعِدَا بِى الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِى دَارًا هِىَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ . قُلْتُ :«طَوَّفْتُمَانِى اللَّيْلَةَ ، فَأَخْبِرَانِى عَمَّا رَأَيْتُ» . قَالاَ: نَعَمْ ، أَمَّا الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكِذْبَةِ ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

وَالَّذِى رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا . وَالشَّيْخُ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ ، وَالَّذِى يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ . وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِى دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَنَا جِبْرِيلُ ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا فَوْقِى مِثْلُ السَّحَابِ . قَالاَ ذَاكَ مَنْزِلُكَ . قُلْتُ دَعَانِى أَدْخُلْ مَنْزِلِى . قَالاَ إِنَّهُ بَقِىَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ » .

هذه قصة عظيمة اشتملت على المشاهد التالية :

المشهد الأول :

رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ والكلوب حديدة في آخرها انحناء كتلك التي يعلق اللحم بها ، فيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى خده ، ويُقَطِّعُه حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ .

وهذا المعذب هو الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق . قال ابن حجر رحمه الله :" وَإِنَّمَا اِسْتَحَقَّ التَّعْذِيب لِمَا يَنْشَأ عَنْ تِلْكَ الْكِذْبَة مِنْ الْمَفَاسِد وَهُوَ فِيهَا مُخْتَار غَيْر مُكْرَه وَلَا مُلْجَأ".

المشهد الثاني :

رجل مضطجع عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، والشدخ كسر الشيء المجوف، فيكسر رأسه بحجر معه ، فإذا كسر الحجر رأسه ونأى عنه ذهب الآخر ليأتي بالحجر ، فإذا عاد إلى المعذب عاد رأسه سالماً ، فيفعل به ذلك إلى يوم القيامة .

من هو المعذب هنا ؟ صاحب القرآن يرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .. لكن أليس النوم عذرا؟ الجواب : من بذل وسعه ليستيقظ فلم ينهض فهو معذور .. وأما المتهاون الذي ينام ويعلم أنه سيستيقظ متأخراً .. وهذا دأبه فهذا هو الذي ينام عن الصلاة المكتوبة .

المشهد الثالث :

ينطلق رسول الله e إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، والتنور كالهرم ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، فيه نار من تحته ، وفوق النار رجال ونساء عراة ، فإذا ارتفع لهيبها صعدوا إلى المكان الضيق وضوضوا : أي صاحوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا .

جمع الله لهم بين عقوبيتين :

الأولى : جعل الله عقوبتهم في مكان واحدٍ فهتك سترهم ، فإنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ففضحهم .

الثانية : لما عصُوْا الله بأسفل أجسادهم جاءتهم النار من تحتهم .

المشهد الرابع :

انطلق رسول الله e والرجلان حَتَّى أتَوْا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، وفيه رجل يسبح فيه . فيقبل السابح إلى الواقف ، فيلقمه حجراً يعيده إلى مكانه ، فإذا جاء إليه فعل به ذلك .

وإنما ألقم حجراً والحجر لا فائدة فيه لبدنه كما كان يزيد ماله بشيء أخبر الله أنه لا بركة فيه.

المشهد الخامس :

ينطلق رسول الله e إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ غَنّاء كثيرةِ العشب، فيها من كل نَورِ الربيع وزهره ، وفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وفي رواية :«إلى مدينة مَبْنِيَّة بِلَبِنِ ذَهَب وَلَبِن فِضَّة» وهي الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ..

فإن قيل : كيف نوفق بين قول الرسول e فيها ما لا عين رأت وبين كونها e قد رآها كما في هذا الحديث ؟

الجواب :

المشهد السادس :

في تلك الروضة رأى النبي e إبراهيم عليه السلام وحوله صبيان المسلمين . وهم : من مات منهم قبل أن يبلغ ، فأي عزاء للوالدين الذين فقدا ابنهما الصغير أحسن من هذا العزاء ؟ أيها الأب .. أيتها الأم .. يا من تقرح كبده بفقد ولده اعلموا : أنّ رحمة الله خير له منكما ، وثواب الله خير لكما منه .

المشهد السابع:

يرى داراً أفضل من تلك الدار ، وهي دار الشهداء ، وداراً أفضل من الدراين وهي بيت النبي e . ويرى e خازن النار ، وقد نعته بكونه (كريه الرؤية) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي عَذَاب أَهْلِ النَّارِ .

أسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة . أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله ورعايته ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

« ما هذه الأصوات » ؟**************عُوَاء أهل النار ***************رمضان عمداً بدون عذر





بسم الله الرحمن الرحيم (14)


الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعدَ الله أوقاتكم بكل خير .

أحداث قصة تضمنتها رؤية نبوية كريمة ، ففي مستدرك الحاكم عن أبي أمامة الباهلي t قال : سمعت رسول الله e يقول : بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بِضَبْعَيْ، فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا لي : اصعد . فقلت : « إني لا أطيقه » ، فقالا : إنا سنسهله لك . فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت : « ما هذه الأصوات » ؟ قالوا : هذا عُوَاء أهل النار . ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً ، قال : قلت : « من هؤلاء ؟ » قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومهم .


عُواء: صُراخ وصياح .


سواء الجبل : وسط الجبل . قال تعالى :} فاطلع فرآه في سواء الجحيم{ : أي في وسطها .


الشَّدْق : جانب الفم مما تحت الخد .


فبل تحلة صومهم : قبل أن يحل الفطر لهم بغروب الشمس .


ثلاث قضايا رئيسة سيكون الحديث عنها من خلال هذه القصة التي رواها رسول الله e .


القضية الأولى : الفطر في رمضان عمداً بدون عذر .. اشتملت القصة على بيان نوع من أنواع المفطرين في رمضان ؟ فما هي أنواعهم؟


اعلم أخي المستمع الكريم أنّ المفطرينَ في رمضان منقسمون إلى أقسام ..


الأول : من يفطر وعليه القضاء .


وهو المريض مرضاً يُرجى برؤه ، والمسافر ، والحائض .


الثاني : من يفطر وعليه القضاء والكفارة .


وهو من جامع أهله في نهار رمضان .


الثالث : من يفطر وعليه الفدية . والمراد بها إطعام مسكينٍ عن كل يوم أفطره .


وهم : الشيخ الكبير والمرأة المسنة اللذان لا يقوَيَان على الصيام ، والمريض مرضاً لا يُرجى برؤه – كما يقول الفقهاء- ، والحامل والمرضع ، وكثيرون يقولون بغير ذلك ، ولكن هذا هو القول الراجح إن شاء الله ، وهو مذهب ابن عباس وابن عمر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم . فقد خرج الدارقطني عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا:" الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي" وصححه في الإرواء . وفي قوله تعالى :} وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين{ قال ابن عباس :" بقي حكمها للشيخ الكبير ، والعجوز الكبيرة ، إذا كانا لا يطيقان الصوم . والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكيناً " أرجه الدارقطي وأبو داود . وهذا مما لا يقال عن رأي واجتهاد فله حكم الرفع كما قرره غير واحد من أهل العلم .


الرابع : من أفطر وعليه التوبة لأن ذنبه أعظم من الكفارة . وهو من أفطر بدون عذر ، هذا –كما قال العلماء – صومه للقضاء وإن دهراً لا يفي لتكفير خطيئته ، بل عليه أن يتوب . بمعنى أنّ ذنبه أعظم من الذنوب التي تكفرها الكفارات .


قال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر :" الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ تَرْكُ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ ، وَالْإِفْطَارُ فِيهِ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ".


وفي البخاري معلقاً بغير جزم الحديث :« مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صَوْمُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» .


وقال الذهبي في الكبائر :" الكبيرة السادسة : إفطار يوم من رمضان بلا عذر".


ومن ترك صوم رمضان فإنه يُشك في إسلامه .


القضية الثانية :


اشتمل الحديث على إثبات عذاب البرزخ ، فهؤلاء الذين رآهم النبي e وقع العذاب عليهم في برزخهم كما لا يخفى . وعذاب البرزخ – وأقول البرزخ لأنه أشمل من كلمة القبر ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله :" ومما ينبغي أن يُعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزح، فكل من مات وهو مستحقٌ للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع، أو أُحْرق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صُلب، أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور" [الروح ص ثمان وخمسين] .


كمن حرق أو أكلته السباع – وعذاب البرزخ ثبت بأدلة لا يمكن حصرها بسهولة بالقرآن والسنة النبوية .


من أدلة القرآن قوله تعالى عن قوم نوح عليه السلام :} مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً{ ، ولا خلاف بين أهل اللغة في أنّ الفاء العاطفة تدل على الترتيب والتعقيب . أي : بدون مهلة ، بخلاف العطف بثم . قال ابن هشام في قطر الندى وبل الصدى :" وَ (الْفَاءِ) لِلتَرْتِيبِ والتَّعْقِيبِ ".


وهنا نجد أن ربنا قال :} أغرقوا فأدخلوا{ أي في برزخهم بعد موتهم .


أما السنة فيكفي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ e بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ :((إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ)) . ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : ((لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)) [أخرجه البخاري ومسلم].


وفيه رد قوي على من أنكر أن الجسد يُعذب في القبر ، هذا قول من لا خلاق له من فهم ، وإلا فقد قال النبي e عن الرجلين : إنهما ليعذبان ، وفي القبر جسداهما .


وينبغي أيها الإخوة أن نفرق بين مسألتين .. بين عذاب القبر ، وبين فتنة القبر . الفتنة : سؤال الملكين الميت عن ربه ودينه ونبيه . أما العذاب فهو ما يقع على من لم يجتز هذا الاختبار .


وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا لِي : إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ e فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ :((صَدَقَتَا، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا)). فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ [البخاري ومسلم].


وعند مسلم قال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ t : بَيْنَمَا النَّبِيُّ e فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ، فَكَادَتْ تُلْقِيهِ ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ :((مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ))؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا . قَالَ :((فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ))؟قَالَ : مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ . فَقَالَ :((إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ)) . وفيه أمر النبي e أن نستعيذ بالله من عذاب القبر بعد التشهد فقال :(( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) .


القضية الثالثة : رؤيا الأنبياء . ولا شك أنها حق ، ولذا لما رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه شرع في تنفيذ ذلك ، قل ابن حجر رحمه الله في الفتح :" الرُّؤْيَا لَوْ لَمْ تَكُنْ وَحْيًا لَمَا جَازَ لِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْإِقْدَام عَلَى ذَبْح وَلَده".


وثبت من حديث عائشة أنها قالت :" كان أول ما بدئ به رسول الله e من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم" [صحيح مسلم] .


وقال ابن عباس رضي الله عنهما :" رؤيا الأنبياء وحي" [أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي] .


أما رؤيا غيرهم فلا يثبت بها شرع ، فليس لأحد أن يأتيَ إلينا بتشريع ثم يقولَ : رأيت رسول الله e في المنام وقال لي : افعل كذا مما لم يكن شرعه من ذي قبل .


رأى حمزة الزيات النبي e في المنام، فعرض عليه ما سمعه من أبان، فما عرف منه إلا شيئاً يسيراً ، قال النووي :" قال القاضي عياض:" هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من ضعف أبان، لا أنه يقطع بأمر المنام، ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ، ولا تثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء" [شرح مسلم مج الأول صفحة خمس عشرة ومائة ] .